عائض الأحمد
حين يصبح الحق وجهًا واحدًا… والطاولة لا تدور إلا حوله.
في عالم يزعم كل فرد فيه أنه الأعدل، تتكاثر الموازين بقدر ما تتكاثر الأهواء، وتضيع الحقيقة بين شعار لامع وواقع قاتم. هناك؛ حيث يختبئ الخلل خلف لافتة الفضيلة، تبدأ الحكاية.
كل منا يرى نفسه تجسيدًا للعدالة، لا يكتفي بميزان واحد، بل يحمل معه "موازينه" الخاصة، ويوزعها على الآخرين كما لو كانت هدايا نادرة. نمضي بهذه الثقة العمياء نحو مجتمعات متهاوية، تغنّي بالحرية في شعارات مرفوعة، بينما تخفي خلفها جحيمًا لا يُطاق. حرية ورقية، مختومة بختم باهت، أشبه بقفص ذهبي.
وفي قلب هذا المشهد، يقف "صديقنا" مرتديًا عباءة الأخلاق العامة، جالسًا في صندوقه الأبيض، يلمع واجهته حتى تُعمي الأبصار عن صدأ ينخر ما يخفيه. يوزع أحكامه يمينًا ويسارًا، ناسيًا أن ميزانه قد مال منذ زمن، وربما هو أول من يحتاج إلى عدالة تُنصفه.
وعندما تواجهه بالحقيقة، يقول: "التاريخ يشهد"، ثم يأخذك إلى جغرافيته المصطنعة؛ يرسم لك صورة من الإغواء والتزيين، كأنك على ضفاف بحيرة وحديقة غنّاء، بينما الحقيقة أنك تحفّ بصحراء قاحلة تموت فيها الأرواح عطشًا، ويُدفن فيها الحق بلا شاهد، كل ذلك وهو يرسم على وجهه ابتسامة باهتة تخفي تحتها غرورًا أحرق من حوله.
يُلبس الحق قناعًا مزخرفًا، يُعرض في سوق تُباع فيه الأقنعة بدلًا من الوجوه، والغريب أنك تشتريه بثمن يحدده، ويدفعه غيرك وأنت تجهل قيمته الحقيقية.
يظن أنه يحمل قرطاسًا وقلمًا واحدًا، يكتب ما يريد ويطمس ما يشاء، كأن الكون لا يحق له أن يرى غير صورته، وما خطته يداه.
وبعد كل هذا، لا يبقى سوى الحقيقة العارية… ميزانه مائل، لا لأن العدالة غابت، بل لأنه أعدمها بيديه.
في حياتنا اليومية، من يملك النفوذ يسن قوانين العدالة التي تناسبه، وعلى الجميع الامتثال لها. إنها عدالة الأقوياء، حيث تُطبّق القواعد وفق مصلحته فقط، وتظل الحقيقة ضائعة بين شعارات براقة وواقع قاتم لا يُطاق.
لها:
الحقيقة كالبشر، لها ألف وجه، وأيّهم تراك به… لا يساوي شيئًا أمام من تكون.
شيء من ذاته:
الفضيلة أن تميط الأذى وتكف الألسن… أما أن تلطخها برذيلتك، فتلك خطيئة لا تطهرها مواعظك.
نقد:
يمسك رأسه بيديه، يغلق أذنيه، ويسأل: لماذا أنا؟ … وكأنه بريء من دم الحقيقة.